
فريق ١٧ أيّار الحالي في الحُكم يُعيد الكلام الذي قيل في ١٩٨٣. كلّ يوم يطلعون بمعزوفة. رئيس الجمهوريّة يقول إنّ أميركا الحنونة لم تهدّد لبنان، بل هي أعلمتهم فقط بأنّ اهتمامها بلبنان (نجِّنا من الاهتمام الأميركي بشؤون الدول النامية) سيزول لو أنّ لبنان تجرّأ على رفْض خطّتها الإسرائيليّة.
لكنّه في المقابلة نفسها عاد واعترف بأنّ ثمن الرفْض هو ترْك إسرائيل كي تعتدي على لبنان. والحُكم لا يتورّع عن استعمال كلمة سيادة قبل الأكل وبعده.
أمّا نوّاف سلام الذي جعلَنا نشتاق إلى تجربة شفيق الوزّان التعيسة في الحُكم، فقد طلع بـ«خبريّة» طريفة جدّاً. قال إنّ الطرفَين (اللّبناني والإسرائيلي) سيُعاقَبان مِن قِبل أميركا لو أنّهما لم يلتزما بالاتفاقيّة. وبراك كذّب سلام بعد كلامه بساعات، إذ هو اعترف أنْ لا مطالب أميركيّة لإسرائيل في الشأن اللّبناني: لديها مطلق الحريّة في العدوان والاحتلال. لكنّ نوّاف زاد من عنده أنّ أميركا ستسمح للبنان (يا للسيادة) بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن في حال مخالفة إسرائيل.
وكان وزير الخارجيّة قد أكّد ذلك قبل تصريح نوّاف الخطير: أنّ أميركا ستسمح للبنان بـالنقّ ـ حق النقّ-. نعلم أنّ السيادة أولويّة في هذه الحكومة، لكن: تحتاج الشكوى اللّبنانيّة السياديّة إلى إذن من دولة أجنبيّة؟
والوثائق الأميركية المُفرَج عنها أظهرت أنّ الحكومة الأميركية كانت مراراً (في سنوات ما قبل الحرب، أي زمن حصرية السلاح والسيادة) تمنع الحكومة اللّبنانية بشخص رئيس الجمهورية المتفرِّد من تقديم شكوى ضدّ إسرائيل في مجلس الأمن، وكانت الحكومة اللّبنانية تمتثل بانتظام.
والحكومة اللّبنانية في تصريح سلام تفضح نفسها لأنّها تعترف أنّها تمتنع حاليّاً عن تقديم شكوى ضدّ إسرائيل بالرغم من ٣٥٠٥ خروق إسرائيليّة شملَت البر والبحر والجوّ وتسبّبَت في وقوع ١٧٢ قتيلاً و٤٠٩ جرحى. ورأى رئيس الحكومة اللّبنانية أنّ هذا السماح الأميركي السخيّ إنجاز يجب أن يُسجّل في رصيد الحكومة السيادية. لكنّ نواف لم يزدْ: ماذا ستفعل أميركا عند تقديم الشكوى؟ ستقف مع لبنان ضدّ إسرائيل؟ وماذا ستفعل إسرائيل؟ ستكترث للشكوى؟